على أطلال نهر أبي رقراق بين العاصمة الرباط وسلا, تقع صومعة حسان, شامخة في الزمان والمكان, تحكي أمجاد وازدهار الدولة الموحدية, في سنة 593 للهجرة (1197-1198 للميلاد) أصدر مؤسس مدينة الرباط الخليفة الموحدي الثالث يعقوب المنصور أمرا بتشييد "جامع حسان" العظيم على مرتفع مقابل لمدينة سلا مطل على الضفة الجنوبية لنهر أبي رقراق وعلى مقربة من مصبه بالمحيط الأطلسي.
ويبلغ طول المسجد 183 مترا مربعا، وعرضه 139 مترا، ويبلغ علو صومعته حوالي 44 مترا، ومساحة كل ركن من أركانها المربعة 16 مترا و20 سنتيمترا. أما سمك جدرانها فيبلغ عرضه مترين ونصف، ولها مطلع داخلي ملتو يؤدي إلى أعلى الصومعة ويمر على ست غرف تشكل طبقات.
ويرى مؤرخون أن اختيار هذا المسجد الذي تتجاوز مساحته 2550م مربع بمدينة الرباط ليكون أكبر مساجد المغرب وليداني أكبر مساجد الشرق مساحة وفخامة، يدل على أن الموحدين كانوا يرغبون في أن يتخذوا من الرباط مدينة كبيرة تخلف في أهميتها مدينتي فاس ومراكش. وتمت تسمية المسجد باسم مسجد حسان نسبةً إلى قبيلة تدعى "بنو الحسان" والذين كانوا يقطنون إقليم الرباط في ذلك الوقت.
وقد زينت واجهاتها الأربع بزخارف ونقوش مختلفة على الحجر وذلك على النمط الأندلسي المغربي من القرن الثاني عشر. والتركيب المعماري المكون من الضريح والمسجد والمتحف يكتسي طابع الفن المعماري الإسلامي، إذ انكب أكثر من 600 صانع ومعلم من مختلف الصناعات الأصلية في الإبداع والإتقان على إنجاز الزخارف الرائعة في البنايات الثلاث.
كان المسجد يعتبر يومذاك أكبر مسجد بالعالم الإسلامي بمساحة 26 ألفا و100 متر مربع. لكن انشغالات الدولة الموحدية بمشاكل الأندلس وإغاثة السلطان الموحدي لهم من زحف المسيحيين حال دون إتمام المسجد العظيم، حسب عضو جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث محمد جطاري.
وكان يعقوب المنصور قد وضع التصميم الكامل لمدينة الرباط وبنى أبوابها الكثيرة وسورها المحيط لتكون عاصمة له بدلا من مدينة مراكش.
تعرض المسجد للخراب بعد زلزال لشبونة في أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1755، وبقي خرابا إلى لحظة بناء الضريح. وكان السلطان المنصور قد بنى منارتين أخريين مماثلتين لصومعة حسان، واحدة في الخيرالدا بالأندلس الموجودة في إشبيلية، والثانية بمراكش المغربية وهي صومعة مسجد الكتبية. و"الصوامع الثلاث توجد في خط واحد من خطوط الطول بالكرة الأرضية".
يفد اليها الالاف من السياح الاجانب والزوار المغاربة لما تمثله من رمز معماري واسلامي اصيل وقيمة حضارية وتراثية في ضفة المحيط الاطلسي.
وتعد صومعة حسان من المنارات التاريخية الشهيرة في العالم الاسلامي والعربي، وقد تحولت إلى مركز سياحي لما تتمتع به من خصوصية روحية وتاريخية وحضارية مهمة.
والجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو للتراث العالمي أظافت هذا الموقع لقائمة أولية 1 يوليو 1995 في فئة الثقافة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق