هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الريسوني، مولاي أحمد الريسوني، بريسول ويدعوه رجاله الشريف الريسوني ويسميه الإنجليز الريسولي، ثائر وزعيم، من مناوئي الاحتلال الفرنسي في المغرب العربي في مطلع القرن العشرين.
ينتمي الشريف أحمد بن محمد بن عبد الله الريسوني، إلى أسرة عريقة يعود نسبها إلى فاطمة بنت النبي(ص)، وكان لهذه الأسرة دور كبير ضد الغزوات الأجنبية على المغرب منذ القرن 15، وفي هذه الأسرة المجاهدة ولد الشريف أحمد الريسوني عام 1870 في قرية الزينات بقبيلة بني عروس، وقد أظهر منذ صغره مظاهر النجاح والذكاء، كما أظهر مهارة قيادية واضحة إلى جانب العبقرية والنبوغ.
امتاز الشريف أحمد الريسوني بقوة الشخصية، وهذه الصفة جعلت منه شخصية قيادية، قادته إلى تزعم القبائل الثائرة بوجه المخزن في منطقة جبالة، وهذا ما أدى به إلى السجن عام 1895 حتى طلاق سراحه عام 1900.
لقد وصفه أحمد الكتاب الإسبان بأنه "سياسي بارع متيقظ الدعاء شديد التبصر بشعبه وإطلاع على السياسة الدولية".
فأدرك حقيقة ما يخططه الأوربيون لبلاده فكانت المواجهة بشخصه، ثم بمن تجمع حوله من أقربائه وأفراد عشيرته وقبيلته ومن تم أفراد القبائل الأخرى منذ عام 1903.
يختلف المؤرخون في وصفه, حيث أن المؤرخون الغربيون يصفون أحمد الريسوني بكونه قاطع طريق وقاتل جبار ومختطف بارع.., بينما تصفه المصادر المغربية تصفه بالجاشن والمروع...
أما المتعاطفون معه يصفونه بالرجل الوطني الذي وقف ضد تعاون السلطان عبد العزيز وتردي الأمن في المنطقة الممتدة من طنجة إلى القصر الكبير.
في بداية القرن العشرين كان المغرب مشتتا بين سلطان لاه أغرقه الأوربيون باللعب، وبين فتنة في عموم البلاد وظهور متمردين هنا وهناك، من بينهم بوحمارة، وشيوع السيبة والقتل والسلب والنهب، وكان برّيسول واحدا من الذين انتفضوا ضد السيبة، فقال الكثيرون إن هذا الرجل قاوم السيبة، وآخرون قالوا إنه ساهم في السيبة وكرسها. كان المغرب يعيش على بركان التمردات، وبينما كان المتمرد بوحمارة يبسط سيطرته على مناطق واسعة من وسط المغرب ومنطقة شمال وشرق الريف، كان مولاي أحمد الريسوني الحاكم شبه المطلق في مناطق جبالة، ولا شيء يقف في طريقه حتى أعتى الدول الأوروبية.المصادر التاريخية التي تتحدث عن برّيسول تخلط ما بين الأسطورة والحقيقة، لكن المشكلة أن طبيعة ذلك الرجل وصرامته وجرأته، وبطشه أيضا، جعلت منه شخصا أسطوريا، حتى وإن كانت قلعة نفوذه محدودة لفترة معينة من الزمن. المؤرخون الغربيون يصفون مولاي أحمد بكونه قاطع طريق وجبارا ومختطفا، والمصادر المغربية تصفه بالخائن ومروع الآمنين، والمتعاطفون معه يصفونه بالرجل الوطني الذي وقف ضد تهاون السلطان مولاي عبد العزيز وتردي الأمن في نواحي طنجة والمدن الجبلية الأخرى.
استمر الشريف أحمد الريسوني في عمله حتى عام 1911 وفي ذلك العام بدأ
الشمال المغربي يشهد غزوا عسكريا وإسبانيا تزامن مع الغزو العسكري الفرنسي
للعاصمة فاس، وبسبب ضعف المخزن تم احتلال العرائش والقصر الكبير يومي 8 و
10 يونيو 1911.وعن
موقف الريسوني من احتلال القصر الكبير يؤكد ابن عزوز حكيم أن "مولاي أحمد
الريسوني بصفته عاملا للسلطان مولاي عبد الحفيظ على قبائل جبالة والهبط
برمتها لم يستطع الوقوف في وجه الغزو الاستعماري الإسباني بسبب الأوامر
التي تلقاها من كل من مخزن فاس، ونائب السلطان في الشؤون الخارجية بطنجة السيد محمد الكباص.وتثير
بعض الكتابات الأخرى أن الريسوني ساهم مساهمة فعالة في تسهيل عملية،
الاحتلال، وهذا ما يؤكده "إدوارد كينطانا" في كتابه "الأسطول الحربي
الإسباني بالمغرب واحتلال القصر الكبير والعرئش" كانت فرنسا تريد الاستيلاء
على مدينتي أصيلا والقصر الكبير بصفة غير مباشرة بواسطة المحلات المغربية التي كانت تحت قيادة ضباط فرنسيين، وكان الريسوني يحس بالخطر الذي كانت تشكله فرنسا على منطقة نفوذه لهذا سهل عملية الاحتلال.يؤكد
"جرمان عياش" في كتابه "أصول حرب الريف" إن الريسوني تحدث لزوكاسطي وهو
القنصل الإسباني بالعرائش آنذاك، "أن إسبانيا لم تكن في نظره قوة عظيمة
لأجل ذلك فضلتها في قرار نفسي على غيرها من الدول وحيث أنها لم تكن تتوفر
على قوة عظيمة فإنني لم أكن أراها مهيأة لسحقتنا ".وإذا كان الفرنسيون قد اتهموا الريسوني بكونه قد دعا الإسبان إلى احتلال
العرائش والقصر الكبير، وكانوا يطعمون في ضمهما إلى منطقة نفوذهم فإن
الأحداث تؤكد في جميع الأحوال أن الريسوني ظل لفترة طويلة أكثر مرونة مع
الإسبان منه مع الفرنسيين.انطلاقا من هذه الآراء التاريخية يتبين أن الريسوني وضع الثقة في الإسبان
وقاية له من التهديد الفرنسي، وأيضا حفاظا على كامل سلطته في المنطقة.بعد توقيع المغرب لمعاهدة الحماية 1912 تبدأ مرحلة أخرى من حياة الريسوني
كعنصر بارز في شمال المغرب، خلالها حاول الإسبان تنصيب الريسوني خليفة
بمنطقة الشمال عن عاهل المغرب سنة 1913، لكن الأمر لم يتم بسبب الموقف
الفرنسي الرافض لشخصه.19813-1915 في الفقرة الممتدة من عمل الريسوني على مساعدة الثوار
المجاورين لمنطقة الشمال والخاضعين لمنطقة النفوذ الفرنسي والرافضين له.خلال هذه المرحلة سيجد الإسبان صعوبة في فرض سيطرتهم على القبائل
الجبلية، وهو ما سيدفعهم إلى التفاوض مع الريسوني مقابل ضمانات لكن هذه
المدة بقيادة الجنرال هوردانا الذي عقد معه هدنة سنة 1915 تتلخص فيما يلي:- وضع المال والسلاح تحت إشارة الريسوني - الاعتراف به قائدا على المناطق
الخاضعة له - تولية مسؤولية التواصل والحفاظ على الأمن مع القبائل.وفي سنة 1919 حارب الريسوني الإسبان وناضل من أجل الشرف الوطني إلى أن
جندت إسبانيا كل إمكانياتها بعد معركة أنوال 1921 فلجأ إلى تازروت التي
احتلها الإسبان سنة 1922 وفاوض الحكومة الإسبانية بشأن توقيف مواجهته لها.الريسوني بين التعاون المباشر مع الإسبان ومناهضة ابن عبد الكريم الخطابي:في
كتاب "محمد بن عبد الكريم الخطابي نادرة القرن العشرين في قتال
المستعمرين" أشار مؤلفه محمد بن علي العزوزي الجزنائي أنه "لما قام الأمير
الخطابي بحركته المباركة وصار يدعو إلى الجهاد وإلى الاتحاد، وإلى العمل
الجدي لمحاربة الاستعمار والدفاع عن وحدة التراب الوطني المغربي، بادر الريسوني إلى إبرام صلح مع الحكومة الإسبانية، رغم أن الخطابي لم
يترك جهدا إلا واستعمله بإقناعه بالعدول عن موقفه تجاه هذا الصلح مع العدو
".ولخص
الأستاذ العزوزي الجزنائي ما جاء في كتاب "روبرت فورنو" "عبد الكريم أمير
الريف" الحقائق التالية: "في تصريح لابن عبد الكريم الخطابي قال:" إننا
بعثنا له مندوبا يعرض عليه مركز الحاكم في الريف رغبة في توحيد الصفوف،
وإزالة سوء التفاهم ولكنه رفض ما عرضنا عليه، فاضطرت جنودنا لمواجهته وأسره وتم نقله إلى منطقة الريف بتماسينت، وبعد فترة من الزمن توفي في أسره ودفن هناك ".من خلال ما سبق يتضح رفض الريسوني الالتحاق بالقيادة الريفية والتخلي عن
الهدنة التي عقدها مع الإسبان، أمام هذا الوضع سيضطر الخطابي إلى توجيه
حملة إلى تازروت ووجدت الريسوني مريضا فحملته نحو مقر المقاومة الريفية،
وفي طريقه ستكون وفاته بمنطقة تماسينت سنة 1925.ولما
كان الريسوني في إقامته بتماسينت جاء إليه ابن عبد الكريم متنكرا واستأذنه
بالجلوس، وقيل إنه امتنع، ولكن بعد أن قالوا له إنه فقيه يردي رؤيتكم
وزيارتكم فقط والتبرك بكم، أذن له وتحدثا طويلا ... وعرف ابن عبد الكريم
كيف يستغل فرصة الحديث معه خصوصا بشأن
الحرب الدائرة بين المغاربة والدولتين المستعمرتين، والأهداف التي يريد
الأوربيون تحقيقها، وفي الأخير ودعه وهو يتمنا له الشفاء من مرضه الذي كان
قد أله به، ومتمنيا له العودة إلى بلدته وقريته في تازروت في بلاد جبالة،
وحين خرج سأل الريسوني من يكون هذا الفقيه؟ فأجابوا إنه ابن عبد الكريم فقال: لو كنت اعلمه هكذا لقاتلت إلى جانبه
ودخلت تحت حكمه، إنه رجل مقاتل يستحق التقدير والاحترام والدخول في طاعته
....وإذا عقدنا مقارنة بين الريسوني والزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي يمكن
القول بأن العمل التفاوضي كان أساسا عند الريسوني ولم تكن تهدف إلى إلغاء
الأجنبي وخاصة منه الإسباني كليا من التراب المغربي.أما حركة ابن عبد الكريم فكانت طموحاته السياسية واضحة حيث ترمي إلى تأسيس مجال سياسي مستقل عن الوجود الأجنبي.
توفي أحمد الريسوني حسب بعض الأقوال في اواخر شهر ابريل عام 1925 جراء المعناة من مرض
البوذمة. وبالرغم من الشائعات التي لاحقته طوال حياتة الا انه يعتبر بطلا
شعبيا من قبل العديد من سكان مدن ومناطق جبالة.ومن أشهر ما قيل عنه من أعدائه :
المؤرخ مانويل أورتيغا فيقول في كتابه عن الريسوني «عندما نتأمل سيرة هذا الرجل، إمبراطور الجبل، المحتمي بالغابات الطبيعية والجبال، والذي تحدى قوة إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية رغم الأسلحة والمدافع التي تملكانها، ورغم الذهب الذي ظلتا تغريانه، فإننا ندرك أن الريسوني لم يكن دنيئا».
وفي كتاب «المغرب»، يقول توماس غارسيا فيغيراس:
««كان الريسوني يتمتع بذكاء عال ويقظة كبيرة، وله ممارسة سياسية على قدر كبير من النضج ودراية كبيرة بالأوضاع السياسية الدولية والعالم الإسلامي، وكان يطمح إلى رؤية المغرب حرا ومن دون أية وصاية أجنبية».» أما فرانسيسكو هيرنانديث مير فيقول:
««كانت فرنسا وإسبانيا تدركان قوته وتأثيره في القبائل، لذلك حاولت الدولتان ترويج تهم الخيانة ضده والقول إنه ساعد إسبانيا على احتلال العرائش والقصر الكبير».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق