فمن ذلك مثلا تأسيسه لخزانة علمية كبرى بقصره بمكناس، وقد وصفت هذه الخزانة باحتوائها على مصنفات فاقت مصنفات كثير من أشهر الخزانات في العالم الإسلامي، بما فيها خزانة بغداد الشهيرة، وجعل الإشراف عليها بيد أبرز علماء عصره وكبير وزرائه العلامة الفقيه الأديب العلامة المؤلف الجامع أبي العباس أحمد بن الحسن اليحمدي ، وقد ضمت الخزانة الإسماعيلية النفائس والنوادر من الدواوين والكتب، قال عنها الشاعر الأديب علي مصباح الزرويلي ، وهو من روادها في العصر الإسماعيلي، في كتابه سنا المهتدي إن مدخراتها من عيون الدواوين وأنواع من الكتب والدفاتر، فقد «حوت من أنواع الدفاتر وأسماء التأليف ما لم تحوه خزانة بغداد، ولا علق بحفظ الداني والأستاذ» .
لقد ذكر الفقيه القاضي محمد بن العياشي المكناسي ، وهو معاصر للسلطان مولاي إسماعيل، بعض أوصاف هذه الخزانة التي يوجد مقرها عند مدخل القصبة الإسماعيلية قبلة الجامع الأخضر، الشهير باسم جامع الأنوار ، وكانت تعرف بـ : «دويرية الكتب» مكونة من قاعتين فسيحتين تفصل بينهما ساحة فسيحة تحت سقف محمول على أساطين رخامية . ويظهر من خلال حديث القاضي محمد بن العياشي أن الخزانة كانت تحتوي على كثير من الكتب المخطوطة، وأنها كانت مفتوحة في وجه العلماء من سائر البلاد المغربية، حيث قال : «وبها من الكتب العلمية ألوف عديدة، فيها من كل فن ما تحصل به رغبة القاصدين من العلماء الأعلام، من جميع هذه الإيالة الشريفة» . وقد أشار مجموعة من المؤرخين إلى مجموع ما كان بها من الكتب، وقدروا عددها بحوالي عشرة آلاف كتاب في مختلف العلوم، محبسة لصالح الخواص والعموم.
كما اشتهر السلطان مولاي إسماعيل بجلب النساخين والوراقين المهرة من فاس إلى مكناس لنسخ الكتب العلمية وكتابتها بمختلف الخطوط المغربية، وفي مقدمتها المبسوط والمجوهر، وتزيينها بالألوان العديدة والذهب المحلول لتزويد خزانته بمكناس بنُسخ من نفائس المخطوطات الخزائنية والأميرية المتميزة بجمالية الزخرفة والخط والتسفير، بل لقد ذكر المؤرخ الشهير أحمد ابن الحاج في الدر المنتخب المستحسن أن السلطان مولاي إسماعيل أرسل لجلب نساخ مهرة من فاس إلى مكناس لنسخ مؤلفات البطولة والشجاعة كالأزلية والعنترية وتوزيعها على القلاع التي تقيم فيها الحاميات العسكرية، قصد تحميسهم، وبث روح البطولة والشجاعة والإقدام في نفوسهم، معتقدا أن أخبار الشجعان تعلم الشجاعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق