الريف اسم أطلقه الجغرافيون العرب على المنطقة الجبلية في شمال غرب المغرب والتي تطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي, واجه المغاربة التوغل الفرنسي والإسباني قبل توقيع معاهدة الحماية في 1912. وبعدها استمرت مواجهة الاستعمار رغم تباين الإمكانيات بين الجانبين. وبدأت المرحلة الأولى من المقاومة المسلحة من 1912 إلى 1934، تلتها فترة المقاومة السياسية ، التي تركز عملها على المطالبة بالإصلاحات فيما بين الحربين ثم المطالبة بالإستقلال انطلاقا من 1944. لكن رفض فرنسا للمطالب المغربية ونفي محمد الخامس في 1953، دفع المغاربة إلى مرحلة ثانية من النضال المسلح السري حتى تم تحقيق الاستقلال في 1956.
بعد اغتيال محمد أمزيان في 1912، الذي تزعم المقاومة الريفية في بدايتها، وسيطرة الإسبان على الريف، ظهرت مقاومة منظمة تزعمها في البداية عبدالكريم الخطابي في سنة 1921 ، قاضي بني ورياغل، أكبر قبائل الريف ، الذي ربط كفاحه بكفاح الشعوب التي تخوض الحروب التحررية. واعتبر تحرير الريف مرحلة أولى لتحقيق استقلال المغرب. وحققت المقاومة الريفية انتصاراتها الأولى في جبل عريت وجبل إبران، لكن أهم انتصار حققته في معركة أنوال في يوليوز 1921 أمام القوات الإسبانية التي قادها الجنيرال سيلفستر. وفي 1924 لم يبق بيد الاسبان سوى العرائش وأصيلا وسبتة ومليلية. ونظم محمد بن عبد الكريم المناطق المحررة وفرض التجنيد الإجباري، فوجدت إسبانيا نفسها عاجزة عن احتلال الريف، فتحالفت مع فرنسا التي أصبحت تنظر بجدية لحركة الخطابي التي تهدد مصالحها.
وقدر عددها وقت الثورة بـ(39) ألف نسمة. وينتسب الخطابي الى الأشراف الأدارسة. وكان أول الأمر معلماً ثم قاضياً في مليلة وعلى علاقة طيبة مع الاسبان ، ولكنه ابتعد عنهم لما رآهم منذ سنة 1912 يحتلون منطقة الريف ، وسعى الى استقلال الريف وطرد الاسبان والفرنسيين منها. توفي والده محمد بن عبد الكريم سنة ,1920 وكان الاسبان يدركون أن الاستيلاء على الريف يقتضي القضاء على بني ورياغل أقوى القبائل المقاومة لوجودهم. وتقدم الجيش الاسباني من مليلة نحو قلب الريف وجابه القبائل الريفية في تموز 1921 ، وحقق فيها عبدالكريم سلسلة من الانتصارات في معارك أنوال وجبل عرويت ، فسمي بعدها بالمجاهد وزعيم الريف. ولما رأى هزيمة الجيش الاسباني أقدم سنة 1922 على الاصلاحات في مجتمع الريف ، اذ أوقف الثأر بين القبائل ، وأنشأ جيشاً نظامياً ريفياً ، مع اعلانه قيام "الجمهورية الريفية" وكوّن ادارة في الريف أحدث من ادارة المخزن المراكشية التقليدية ، ومنع استعمال الخرطوش الا لقتال الاسبان ، وأوقف الحج وأباح التبرع بتكاليفه للحرب ، وحد من نشاط الطرق الصوفية في البلاد.
قضى الخطابي بقسوة على خصومه في الداخل ، وألقى القبض على الشريف الريسوني وألقاه في السجن حتى مات فيه. ومع أن حاشيته كانت تناديه "سيدنا" الا أنه لم يقبل ان يعلن نفسه سلطاناً على الريف ، أو الدعوة له في خطبة الجمعة. وكان الريفيون يطلقون على ثورته منذ معركة أوبران سنة 1921 حتى استسلامه للفرنسيين سنة 1926 "الجبهة الريفية".
افتقرت ثورة عبدالكريم للدعم الخارجي بالسلاح والمال ، وواجهت قوتين أوروبيتين بجيوشهما وأسلحتهما المتفوقة عدداً وعدة على الثورة. ومع ذلك كان في نيسان 1925 عملياً منتصراً. طلب من فرنسا الدخول في مفاوضات من أجل السلام. ردت فرنسا بأنها لن توقع معاهدة سلام دون موافقة اسبانيا. واتصلت في الوقت نفسه مع حكومة مدريد تعرض عليها المطلب الريفي. قدمت الحكومتان الفرنسية والاسبانية المقترحات التالية لعبدالكريم: الخضوع للسلطان المغربي ، وابعاد عبد الكريم عن البلاد ، وتجريد قبائل الريف من السلاح ، وتبادل الأسرى ، وايقاف القتال. أعلن الوفد الريفي أنه يقبل السلطة الروحية للسطان ويرفض الخضوع له ، ويقبل تجريد القبائل من السلاح ، شريطة انشاء قوة عسكرية ريفية دون أي تدخل خارجي. وأدرك الوفد أن السلام مستحيل مع الفرنسيين والاسبان.
واستمرت المواجهات العسكرية ضد المستعمرين من 1924 إلى 1926 حيث سلم قائد الثورة الريفية نفسه للقوات الفرنسية، حقنا لدماء المسلمين. ونفي إلى جزيرة لاريينيون Laréunion لمدة 20 سنة، ثم استقر في مصر لمتابعة النضال السياسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق